الصَوَاعِقُ الإِلَهِيَّة في الرَدِّ عَلَى الوَهَّابِيَّةِ
كان من جملة المعادين لدعوة محمد بن عبد الوهاب أخوه سليمان.
وكتابه المسمى الصواعق الإلهية لم يسمه هو بل سماه باسم آخر لكن يبدوا أن من نشر الكتاب قبل أكثر من مائة سنة هو الذي أطلق هذا الاسم إما جذباً للقارئ أو لسقوط اسم الكتاب من النسخة التي عنده
على أي حال سأنزل الكتاب هنا وفي ختامه سأنقل كلمات كنت كتبتها قديما عن المعاداة التي لا قتها دعوة محمد بن عبد الوهاب من علماء نجد.
والكتاب مطبوع طبعتان على ما أعلم.
قاله وكتبه المازري المالكي الأحسائي عفا الله
الصَوَاعِقُ الإِلَهِيَّة
في الرَدِّ عَلَى الوَهَّابِيَّةِ
تأليف
العالم العلامة الحبر البحر الفهَّامة
الشيخ سُليمان بن عبد الوهاب النَّجديّ
رحمه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لاشريك له واشهد ان محمداً عبده ورسوله ارسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون صلى الله عليه وعلى آله الى يوم الدين اما بعد من سليمان بن عبدالوهاب الى حسن بن عيد ان سلام على من اتبع الهدى وبعد قال الله تعالى «ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» (الاية) وقال النبي صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة وانت كتبت الى كثيرا من مرة تستدعي ماعندي حيث نصحتك على لسان ابن اخيك فها انا اذكر لك بعض ماعلمت من كلام اهل العلم فان قبلت فهو المطلوب والحمدلله وان ابيت فالحمدلله فانه سبحانه لا يعصى قهراً وله في كل حركة وسكون حكمة (فنقول) اعلم ان الله سبحانه وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وانزل عليه الكتاب تبياناً لكل شيء فانجز الله له ما وعده واظهر دينه على جميع الاديان وجعل ذلك ثابتاً الى آخر الدهر حين انخرام انفس جميع المؤمنين وجعل (امته) خير الامم كم اخبر بذلك بقوله كنتم خير امة اخرجت للناس وجعلهم شهدآء على الناس قال تعالى «وكذلك جعلناكم امة وسطاً لتكونوا شهدآء على الناس واجتباهم» كما قال تعالى هو اجتباكم وماجعل عليكم في الدين من حرج الاية وقال النبي صلى الله عليه وسلم انتم توفون سبعين امة انتم خيرها واكرمها عند الله ودلائل ما ذكرنا لا تحصى وقال صلى الله عليه وسلم لا يزال امر هذه الامة مستقيماً حتى تقوم الساعة رواه البخاري وجعل اقتفاء اثر هذه الامة واجباً على كل احد بقوله تعالى «ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ماتولى ونصله جهنم وسائت مصيرا» وجعل اجماعهم حجة قاطعة لا يجوز لاحد الخروج عنه ودلائل ماذكرنا معلومة عند كل من له نوع ممارسة في العلم
(اعلم)
ان ماجاءبه محمد صلى الله عليه وسلم ان الجاهل لا يستبد برأيه بل يجب عليه ان يسئل اهل العلم كما قال تعالى «فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون» وقال صلى الله عليه وسلم هل لا اذا لم يعلموا سئلوا فانما دوآء العيى السؤال وهذا اجماع قال في غاية السؤال قال الامام ابو بكر الهروي اجمعت العلمآء قاطبة على انه لا يجوز لاحد ان يكون اماماً في الدين والمذهب المستقيم حتى يكون جامعاً هذا الخصال (وهي) ان يكون حافظاً للغات العرب واختلافها ومعاني اشعارها واصنافها واختلاف العلماء والفقهآء ويكون عالماً فقيهاً وحافظاً للاعراب وانواعه والاختلاف عالماً بكتاب الله حافظاً له ولا ختلاف قرائته واختلاف القراء فيها عالماً بتفسيره ومحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وقصصه عالماً باحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم مميزاً بين صحيحها وسقيمها ومتصلها ومنقطعها ومراسيلها ومسانيدها ومشاهيرها واحاديث الصحابة موقوفها ومسندها ثم يكون ورعاً ديناً صائناً لنفسه صدوقا ثقة يبني مذهبه ودينه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فاذا جمع هذه الخصال فحينئذ يجوز ان يكون اماما وجاز ان يقلد ويجتهد في دينه وفتاويه واذا لم يكن جامعاً لهذه الخصال اواخل بواحدة منها كان ناقصاً ولم يجز ان يكون اماماً وان يقلده الناس قال (قلت) واذا ثبت ان هذه شرائط لصحة الاجتهاد والامامة فقد كل من لم يكن كذلك ان يقتدي بمن هو بهذه الخصال المذكورة (وقال) الناس في الدين على قسمين مقلد ومجتهد والمجتهدون مختصون بالعلم وعلم الدين يتعلق بالكتاب والسنة واللسان العربي الذي وردا به فن كان فيما يعلم الكتاب والسنة وحكم الفاظهما ومعرفة الثابت من احكامهما والمنتقل من الثبوت بنسخ او غيره والمتقدم والمؤخر صح اجتهاده وان يقلده من لم يبلغ درجته وفرض من ليس بمجتهدان يسئال ويقلد وهذا لا اختلاف فيه انتهى انظر قوله وهذا لا خلاف فيه وقال ابن القيم في اعلام الموقعين لا يجوز لاحد ان ياخذ من الكتاب والسنة مالم يجتمع فيه شروط الاجتهاد ومن جميع العلوم قال احمد المنادي سأل رجل احمد بن حنبل اذا حفظ الرجل ماية الف حديث هل يكون فقيها قال لا قال فمأتيي الف حديث قال لا قال فثلاث ماية الف حديث قال لا قال فاربع مأية قال نعم قال ابو الحسين فسالت جدي كم مان يحفظ احمد قال اجاب عن ستماية الف حديث قال ابو اسحاق لما جلست في جامع المنصور للفيتا ذكرت هذه المسئلة فقال لي رجل فانت تحفظ هذا المقدار حتى تفتي الناس قلت لا انما افتي بقول من يحفظ هذا المقدار (انتهى)
ولو ذهبنا نحكي من حكى الاجماع لطال وفي هذا لكفاية للمسترشد وانما ذكرت هذه المقدمة لتكون قاعدة يرجع اليها فيما نذكره فان اليوم ابتلى الناس بمن ينتسب الى الكتاب والسنة ويستنبط من علومهما ولا يبالي من خالفه واذا طلبت منه ان يعرض كلامه على اهل العلم لم يفعل بل يوجب على الناس الاخذ بقوله ويمفهومه ومن خالفه فهو عنده كافر هذا وهو لم يكن فيه خصلة واحدة من خصال اهل الاجتهاد ولا والله عشر واحدة ومع هذا فراج كلامه على كثير من الجهال فانا لله وانا اليه راجعون (الامة) كلها تصيح بلسان واحد ومع هذا لا يرد لهم في كلمة بل كلهم كفار او جهال (اللهم) اهدالضال ورده الى الحق فنقول قال الله عز وجل ان الدين عندالله الاسلام وقال تعالى «ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه» وقال تعالى «فان تابوا واقاموا الصلوة واتوا الزكاة فخلوا سبيلهم» وفي الاية الاخرى فاخوانكم في الدين قال ابن عباس حرمت هذه الاية دماء اهل القبلة وقال ايضاً لا تكونوا كالخوارج تؤولوا آيات القرآن في اهل القبلة وانما نزلت في اهل الكتاب والمشركين فجهلوا علمها فسفكوا بها الدماء وانتهكوا الاموال وشهدوا على اهل السنة بالضلالة فعليكم بالعلم بما نزل فيه القرءان انتهى وكان ابن عمر يرى الخوارج شرار الخلق قال انهم عمدوا في ايات نزلت في الكفار فجعلوها في المسلمين رواه البخاري عنه فحينئذ ذكر الله عز وجل (ان الدين عند الله الاسلام» وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل في الصحيحين الاسلام ان تشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله (الحديث) وفي حديث ابن عمر الذي في الصحيحين بني الاسلام على خمس شهادة ان لا له الا الله وان محمداً عبده ورسوله (الحديث) وفي الحديث وفد عبد القيس امركم بالايمان بالله وحده اتدرون مالايمان بالله وحده شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله الحديث وهو في الصحيحين وغير ذلك من الاحاديث وصف الاسلام بالشهادتين وما معهما من الاركان وهذا اجماع من الامة بل اجمعوا ان من نطق بالشهادتين اجريت عليه احكام الاسلام لحديث امرت ان اقاتل الناس ولحديث الجارية اين الله قالت في السماء قال من انا قالت رسول الله قال اعتقها فانها مؤمنة وكل ذلك في الصحيحين ولحديث كفوا عن اهل لا اله الا الله وغير ذلك قال ابن القيم اجمع المسلمون على ان الكافر اذا قال لا اله الا الله وان محمداً رسول الله فقد دخل في الاسلام انتهى وكذلك اجمع المسلمون ان المرتد اذا كانت ردته بالشرك فان توبته بالشهادتين واما القتال ان كان ثم امام قاتل الناس حتى يقيموا الصلوة ويؤتوا الزكاة وكل هذا مسطور مبين في كتب اهل العلم من طلبه وجده فالحمد لله على تمام الاسلام
(فصل) اذا فهمتم ماتقدم فانكم الأن تكفرون من شهد ان لا اله الا الله وحده وان محمدا عبده ورسله واقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان وحج البيت مؤمنا بالله وملائكته وكتبه ورسوله ملتزما لجميع شعائر الاسلام وتجعلونهم كفار او بلادهم بلاد حرب فنحن نسئلكم من امامكم في ذلك وممن اخذتم هذا المذهب عنه فان قلتم كفرناهم لانهم مشركون بالله والذي منهم ما اشرك بالله لم يكفر من اشرك بالله لان سبحانه قال «ان الله لا يغفر ان يشرك به» (الاية) وما في معناها من الايات وان اهل العلم قد عدوا في المكفرات من اشرك بالله
(قلنا) حق الايات حق وكلام اهل العلم حق ولكن اهل العلم قالوا في تفسير اشرك بالله اي ادعى ان لله شريكا كقول المشركين هؤلاء شركاؤنا وقوله تعالى «وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم انهم فيكم شركاء واذا قيل لهم لا اله الا الله يستكبرون» اجعلوا الالهة الهاً واحدا الى غير ذلك مما ذكره الله في كتابه ورسوله واهل العلم ولكن هذه التفاصيل التي تفصلون من عندكم ان من فعل كذا فهو مشرك وتخرجونه من الاسلام من اين لكم هذا التفصيل استنبطتم ذلك بمفاهيمكم فقد تقدم لكم من اجماع الامة انه لا يجوز لمثلكم الاستنباط الكم في ذلك قدوة من اجماع او تقليد من يجوز تقليده مع انه لا يجوز للمقلدان يكفر ان لم تجمع الامة على قول متبوعه فبينوا لنا من اين اخذتم مذهبكم هذا ولكم علينا عهد الله وميثاقه ان بينتم لنا حقاً يجب المصير اليه لنتبع الحق ان شاء الله فان كان المراد مفاهيمكم
فقد تقدم انه لا يجوز لنا ولا لكم ولالمن يؤمن بالله واليوم الاخر الاخذبها ولا نكفر من معه الاسلام الذي اجمعت الامة على من اتى به فهو مسلم فاما الشرك ففيه اكبر واصغر وفيه كبير واكبر وفيه مايخرج من الاسلام وفيه مالا يخرج من الاسلام وهذا كله باجماع وتفاصيل مايخرج ممالا يخرج يحتاج الى تبين ائمة اهل الاسلام الذي اجتمعت فيهم شروط الاجتهاد فان اجمعوا على امر لم يسع احد الخروج عنه وان اختلفوا فالامر واسع فان كان عندكم عن اهل العلم بيان واضح فبينوالنا وسمعاً وطاعة والا فالواجب علينا وعليكم الاخذ بالاصل المجمع عليه واتباع سبيل المؤمنين وانتم تحتجون ايضاً بقوله عز وجل «لئن اشركت ليحبطن عملك» وبقوله عز وجل في حق الانبياء «لو اشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون» وبقوله تعالى «ولا يأمركم ان تتخذوا الملائكة والنبيين ارباباً» فنقول نعم كل هذا حق يجب الايمان به ولكن من اين لكم ان المسلم الذي يشهد ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله اذا دعى غائباً او ميتاً او نذر له او ذبح لغير الله او تمسح بقبر او اخذ من ترابه ان هذا هو الشرك الاكبر الذي من فعله حبط عمله وحل ماله ودمه وانه الذي اراد الله سبحانه من هذه الاية وغيرها في القرآن فان قلتم فهمنا ذلك من الكتاب والسنة قلنا لا عبرة بمفهومكم ولا يجوزلكم ولا لمسلم الاخذ بمفهومكم فان الامة مجمعة كما تقدم ان الاستنباط مرتبة اهل الاجتهاد المطلق ومع هذا لو اجتمعت شروط الاجتهاد في رجل لم يجب على احد الاخذ بقوله دون نظر قال الشيخ تقي الدين من اوجب تقليد الامام بعينه دون نظر انه يستتاب فان تاب والا قتل انتهى وان قلتم اخذنا ذلك من كلام بعض اهل العلم كابن تيمية وابن القيم لانهم سموا ذلك شركاً
(قلنا) هذا حق ونوافقكم على تقليد الشيخين ان هذا شرك ولكن هم لم يقولوا كما قلتم ان هذا شرك اكبر يخرج من الاسلام وتجري على كل بلد هذا فيها احكام اهل الردة بل من لم يكفرهم عندكم فهو كافر تجري عليه احكام اهل الردة ولكنهم رحمهم الله ذكروا ان هذا شرك وشددوا فيه ونهوا عنه ولكن ما قالوا كما قلتم ولا عشر معشاره ولكنكم اخذتم من قولهم ماجاز لكم دون غيره بل في كلامهم رحمهم الله مايدل على ان هذا الافاعيل شرك اصغر وعلى تقدير ان في بعض افراده ماهو شرك اكبر على حسب حال قائله ونيته فهم