القعقاع | التاريخ: الأحد, 2016-10-23, 06:46:26 | رسالة # 1 |
 عضو فعال
مجموعة: المدراء
رسائل: 13
حالة: Offline
| فيما ورد من خطابه إياه مورد الملاطفة و المبرة
من ذلك قوله تعالى : عفا الله عنك لم أذنت لهم [ سورة التوبة / 9 : الآية 43 ]. قال أبو محمد مكي : قيل هذا إفتتاح كلام بمنزلة : أصلحك الله ، و أعزك الله . و قال عون بن عبد الله : أخبره بالعفو قبل أن يخبره بالذنب . و حكى السمرقندي عن بعضهم أن معناه : عافاك الله يا سليم القلب : لم أذنت لهم ؟ . قال : و لو بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ، لم أذنت لهم لخيف عليه أن ينشق قلبه من هيبة هذا الكلام ، لكن الله تعالى برحمته أخبره بالعفو حتى سكن قلبه ، ثم قال له : لم أذنت لهم بالتخلف حتى يتبين لك الصادق في عذره من الكاذب . و في هذا من عظيم منزلته عند الله ما لا يخفى على ذي لب . و من إكرامه إياه و بره به ما ينقطع دون معرفة غايته نياط القلب . قال نفطويه : ذهب ناس إلى أن النبي صلى الله عليه و سلم معاتب بهذه الآية ، و حاشاه من ذلك ، بل كان مخيراً فلما أذن لهم أعلمه الله تعالى أنه لو لم يأذن لهم لقعدوا لنفاقهم ، و أنه لا حرج عليه في الأذن لهم . قال القاضي أبو الفضل : يجب على المسلم المجاهد نفسه ، ا لرائض بزمام الشريعة خلقه أن يتأدب بأدب القرآن في قوله و فعله ، و معاطاته و محاوراته ، فهو عنصر المعارف الحقيقية ، و روضة الأداب الدينة و الدنيوية ، و ليتأمل هذه الملاطفة العجيبة في السؤال من رب الأرباب ، المنعم على الكل ، المستغني عن الجميع ، و يستثر ما فيها من الفوائد ، و كيف ابتدأ بالإكرام قبل العتب ، و أنس بالعفو قبل ذكر الذنب إن كان ثم ذنب . و قال تعالى : ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا [ سورة الإسراء / 17 : الآية 74 ] . قال بعض المتكلمين : عاتب الله تعالى الأنبياء عليهم السلام بعد [ 11] الزلات ، و عاتب نبياً عليه السلام قبل وقوعه ، ليكون بذلك أشد انتهاءً و محافظة لشرائط المحبة ، و هذه غاية العناية . ثم انظر كيف بدأ بثباته و سلامته قبل ذكر ما عتبه عليه و خيف أن يركن إليه ، ففي أثناء عتبه براءته ، و في طي تخويفه تأمينه و كرامته . و مثله قوله تعالى : قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون [ سورة الأنعام / 6 : الآية 33 ] . قال علي رضي الله عنه : قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا لا نكذبك و لكن نكذب ما جئ ت به ، فأنزل الله تعالى : فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون . و روي أن النبي صلى الله عليه و سلم لما كذبه قومه حزن ، فجاءه جبريل عليه السلام فقال : ما يحزنك ؟ قال : كذبني قومي ! فقال : إنهم يعلمون أنك صادق ، فأنزل الله تعالى الآية . ففي هذه الآية منزع لطيف المأخذ ، من تسليته تعالى له عليه السلام ، و إلطافه به في القول ، بأن قرر عنده أنه صادق عندهم ، و أنهم غير مكذبين له ، معترفون بصدقه قولاً و إعتقاداً ، و قد كانوا يسمونه ـ قبل النبوة ـ الأمين ، فدفع بهذا التقرير ارتماض نفسه بسمة الكذب ، ثم جعل الذم لهم بتسميتهم جاحدين ظالمين ، فقال تعالى : ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون [ سورة الأنعام / 6 : الآية 33 ] . فحاشاه من الوصم ، و طوقهم بالمعاندة بتكذيب الآيات حقيقة الظلم ، إذ الجحد إنما يكون ممن علم الشيء ثم أنكره ، كقوله تعالى : وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا [ سورة النمل / 17 : الآية 14 ] . ثم عزاه و آنسه بما ذكره عمن قبله ، و وعده النصر بقوله تعالى : ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين [ سورة الأنعام / 6 : الآية 34 ] . فمن قرأ وإن يكذبوك بالتخفيف ، فمعناه : لا يجدونك كاذباً . و قال الفراء ، و الكسائي : لا يقولون إنك كاذب . و قيل : لا يحتجون على كذبك ، و لا يثبتونه . و من قرأ بالتشديد فمعناه : لا ينسبوك إلى الكذب . و قيل : لا يعتقدون كذبك . و مما ذكر من خصائصه و بر الله تعالى به أن الله تعالى خاطب جميع الأنبياء بأسمائهم ، فقال تعالى : يا آدم ، يا نوح ، يا موسى ، يا داود ، يا عيسى ، يا زكريا ، يا يحيى . و لم يخاطب هو إلا : يأيها الرسول ، يأيها النبي ، يأ يها المزمل ، يأيها المدثر .
|
|
| |