houari | التاريخ: الإثنين, 2016-10-24, 12:44:07 | رسالة # 1 |
 عضو نشيط
مجموعة: المدراء
رسائل: 49
حالة: Offline
| رؤيته لربه عز و جل و اختلاف السلف فيها
و أما رؤيته ـ صلى الله عليه و سلم لربه جل و عز ـ فاختلف السلف فيها ، فأنكرته عائشة . حدثنا أبو الحسن سراج بن عبد الملك الحافظ بقراءتي عليه ، قال حدثني أبي و أبو عبد الله بن عتاب الفقيه ، قالا : حدثنا القاضي يونس بن مغيث ، حدثنا أبو الفضل الصلقي ، حدثنا ثابت بن قاسم بن ثابت ، عن أبيه وجده ، قالا : حدثنا عبد الله بن علي ، قال : حدثنا محمود بن آدم ، حدثنا وكيع ، عن ابن أبي خالد ، عن عامر عن مسروق ـ أنه قال لعائشة رضي الله عنها ـ يا أم المؤمنين ، هل رأى محمد ربه ؟ فقالت : لقد قف شعري مما قلت . ثلاث من حدثك بهن فقد كذب : من حدثك أن محمد اً رأى ربه فقد كذب ، ثم قرأت : لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ، و ذكر الحديث . و قال جماعة بقول عائشة رضي الله عنها ، و هو المشهور عن ابن مسعود . و مثله عن أبي هريرة أنه [ ا ] : إنما رأى جبريل . و اختلف عنه . و قال بإنكار هذا و امتناع رؤيته في الدنيا جماعة من المحدثين ، و الفقهاء و المتكلمين . و عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه رآه بعينه . وروى عطاء عنه ـ أنه رآه بقلبه . و عن أبي العالية ، عنه : رآه بفؤاده مرتين . و ذكر ابن إسحاق أن عمر أرسل إلى ابن عباس رضي الله عنهما يسأله : هل رأى محمد ربه ؟ فقال : نعم . و الأشهر عنه انه رأى ربه بعينه ، روي ذلك عنه من طرق ، و قال : إن الله تعالى اختص موس بالكلام ، و إبراهيم بالخلة ،و محمداً بالرؤية و حجته قوله تعالى : ما كذب الفؤاد ما رأى * أفتمارونه على ما يرى * ولقد رآه نزلة أخرى [ سورة النجم /53 ، الآية : 11 ، 13 ] . قال الماوردي : قيل : إن الله تعالى قسم كلامه و رؤيته بين موس ، و محمد صلى الله عليه و سلم ، فر آه محمد مرتين ، و كلمه موس مرتين . و حكى أبو الفتح الرازي ، و أبو الليث السمرقدي الحكاية عن كعب . و روى عبد الله بن الحارث ، قال : اجتمع ابن عباس و كعب ، فقال ابن عباس : أما نحن بنو هاشم فنقول : إن محمد اً قد رأى ربه مرتين ، فكبر كعب حتى جاوبته الجبال ، و قال : إن الله قسم رؤيته و كلامه بين محمد و موس ، فكلمه موسى ، و رآه محمد بقلبه . و روى شريك [ 65 ] عن أبي ذر رضي الله عنه في تفسير الآية ، قال : رأى النبي صلى الله عليه و سلم ربه . و ح كى السمرقندي ، عن محمد بن كعب القرظي ، و ربيع بن أنس ـ أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل : هل رأيت ربك ؟ قال : رأيته بقؤادي ، و لم أره بعيني . و روى مالك بن يخامر ، عن معاذ ، عن النبي صلى الله عليه و سلم ، قال : رأيت ربي ... و ذكر كلمة ، فقال : يا محمد ، فيم يختصم الملأ الأعلى الحديث . و حكى عبد الرزاق أن الحسن كان يحلف با الله لقد رأى محمد ربه . و حكاه أبو عمر الطلمنكي عن عكرمة . و حكى بعض المتكليمين هذا المذهب عن ابن مسعود . و حكى ابن إسحاق أن مروان سأل أبا هريرة . هل رأى محمد ربه ؟ فقال : نعم . و حكى النقاش ، عن أحمد بن حنبل : أنه قال : أنا أقول بحديث ابن عباس بعينه رآه ـ حتى انقطع نفسه ـ يعني نفس أحمد . و قال أبو عمر : قال أحمد بن حنبل : رآه بقلبه ، و جبن عن القول برؤيته في الدنيا بالأبصار . و قال سعيدبن جبير : لا أقول رآه ، و لا لم يره . و قد اختلف في تأويل الآية عن ابن عباس ، و عكرمه ، و الحسن ، و ابن مسعود ، فحكى عن ابن عباس و عكرمة : رآه بقلبه . و عن الحسن و ابن مسعود : رأى جبريل . و حكى عبد الله بن أحمد بن حن بل ، عن أبيه ، أنه قال : رآه . وعن ابن عطاء في قوله تعالى: ألم نشرح لك صدرك ـ قال : شرح صدره للرؤية و شرح صدر موسى للكلام . و قال أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري رضي الله عنه و جماعة من أصحاب أنه رأى الله تعالى ببصره و عيني رأسه ، ، و قال : كل آية أوتيها نبي من الأنبياء عليهم السلام فقد أتي مثلها نبينا ، و خص من بينهم بتفضيل الرؤية . و وقف بعض مشايخنا في هذا ، و قال : ليس عليه دليل واضح ، و لكنه جائز أن يكون . قال القاضي أبو الفضل : و الحق الذي لا إمتراء فيه ـ أن رؤيته تعالى في الدنيا جائز عقلاً ، و ليس في العقل ما يحيلها . و الدليل على جوازها في الدنيا سؤال موس عليه السلام لها . و محال أن يجهل نبي ما يجوز على الله و ما لا يجوز عليه ، بل لم يسأل إلا جائزاً غير مستحيل ، و لكن وقوعه و مشاهدته من الغيب الذي لا يعلمه إلا من علمه الله ، فقال له الله تعالى : لن تراني ، أي لن تطيق ، و لا تحتمل رؤيتي ، ثم ضرب له مثلاً مما هو أقوى من بنية موس و أثبت ، و هو الجبل . و كل هذا ليس فيه ما يحيل رؤيته في الدنيا ، بل فيه جوازها على الجملة ، و ليس في الشرح دليل قا طع على استحالتها و لا امتناعها ، إذ كل موجود فرؤيته جائزة غير مستحيلة . و لا حجة لمن استدل على منعها بقوله تعالى : لا تدركه الأبصار ، لا ختلاف التأويلات في الآية ، و إذ ليس يقتضي قول من قال في الدنيا الإستحالة . و قد استدل بعضهم بهذه الآية نفسها على جواز الرؤية و عدم استحالتها على الجملة . و قد قيل : لا تدركه أبصار الكفار . و قيل : لا تدركه الأبصار : لا يحيط به ، و هو قول ابن عباس . و قد قيل : لا تدركه الأبصار ، و إنما يدركه المبصرون . و كل هذه التأويلات لا تقتضي منع الرؤية و لا استحالتها . و كذلك لا حجة لهم بقوله تعالى : لن تراني . و قوله : تبت إليك ـ لما قدمناه [ 66 ] ، و لأنها ليست على العموم ، و لأن من قال : معناها : لن تراني في الدنيا ـ إنما هو تأويل . و أيضاً فليس فيه نص الإمتناع ، و إنما جاءت في حق موس ، و حيث تتطرق التأويلات و تتسلط الإحتمالات ، فليس للقطع إليه سبيل . و قوله : تبت إليك ، أي من سؤالي ما لم يقدره لي . و قد قال أبو بكر الهذلي ـ في قوله : لن تراني ، أي ليس لبشر أن يطيق أن ينظر إلي في الدنيا ، و أنه من نظر إلي مات . و قد رأيت لبعض السلف و المتأخرين ما معناه : إن رؤية تعالى في الدنيا ممتعة ، لضعف تركيب أهل الدنيا ، و قواهم ، و كونها متغيرة غرضاً للأفات و الفناء ، فلم تكن لهم قوة على الرؤية ، فإذا كان في الأخرة و ركبوا تركيباً أخر ، و رزقوا قوى ثابتة باقية ، و أتم أنوار أبصارهم و قلوبهم قووا بها على الرؤية . و قد رأيت نحو هذا لمالك بن أنس رحمه الله ، قال : لم ير في الدنيا ، لأنه باق ، و لا يرى الباقي بالفاني ، فإذا كان في الأخرة و رزقوا أبصاراً باقية رئى الباقي بالباقي . و هذا كلام حسن مليح ، و ليس فيه دليل على الإستحالة إلا من حيث ضعف القدرة ، فإذا قوى الله تعالى من شاء من عباده ، و أقدره على حمل أعباء الرؤية لم تمتنع في حقه . و قد تقدم ما ذكر في قوة بصر موسى و محمد عليهما الصلاة و السلام ، و نفوذ إدراكها بقوة إلهية منحاها لإدراك ما أدركاه ، و رؤية ما رأياه . و الله أعلم . و قد ذكر القاضي أبو بكر ـ في أثناء أجوبته عن الآيتين ـ ما معناه : إن موسى عليه السلام رأى الله ، فلذلك خر صعقاً ، و إن الجبل رأى ربه فصار دكاً بإدراك خلقه الله له واستنبط ذلك ، و الله أعلم ، من قوله : ولكن انظر إلى ال جبل فإن استقر مكانه فسوف تراني [ سورة الأعراف /7 ، الآية : 143 ] . ثم قال : فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا . و تجليه للجبل هو ظهوره له حتى رآه ـ على هذا القول . و قال جعقر بن محمد : شغله بالجبل حتى تجلى ، و لولا ذلك لمات صعقاً بلا إفاقة . و قوله هذا يدل على أن موس رآه . و قد و قع لبعض المفسرين ـ في الجبل ـ أنه رآه ، و برؤية الجبل له استدل من قال برؤية محمد نبينا له ، إذ جعله دليلاً على الجواز . و لا مرية في الجواز ، إذ ليس في الآيات نص بالمنع . و أما وجوبه لنبينا صلى الله عليه و سلم ، و القول بأنه رآه بعينه ـ فليس فيه قاطع أيضاً و لا نص ، إذ المعول فيه على آيتي [ النجم ] ، و التنازع فيهما مأثور ، و الإحتمال لهما ممكن ، و لا أثر قاطع متواتر عن النبي صلى الله عليه و سلم بذلك . و حديث ابن عباس خبر عن اعتقاده لم يسنده إلى النبي صلى الله عليه و سلم ، فيجب العمل باعتفاد مضمنه . و مثله حديث أبي ذر في تفسير الآية . و حديث معاذ محتمل للتأويل ، و هو مضطرب الإسناد و المتن . و حديث أبي ذر مختلف محتمل مشكل . فروي : [ نور أني أراه ] . و حكى بعض شيوخنا أنه روي [ نوراني أراه ] . و في حديثه الآخر : سألته ، فقال : [ رأيت نوراً ] ، و ليس يمكن الاحتجاج بواحد منها على صحة الرؤية ، فإن كان الصحيح رأيت نوراً فهو قد أخبر أنه لم ير الله ، و إنما رأى نوراً منعه و حجبه عن رؤية الله . و إلى هذا يرجع قوله : [ نور أنى أراه ] أي كيف أراه مع حجاب النور المغشي للبصر ، و هذا مثل [ 167 ] ما في الحديث الآخر : حجابه النور . و في الحديث الآخر : لم أره بعيني ، و لكن رأيته بقلبي مرتين ، و تلا : ثم دنا فتدلى و الله قادر على خلق الإدراك الذي في البصر في القلب ، أو كيف شاء ، لا إله غيره . فإن ورد حديث نص بين في الباب اعتقد و وجب المصير إليه ، إذ لا استحالة فيه ، و لا مانع قطعي يرده ، و الله الموفق .
|
|
| |