houari | التاريخ: الإثنين, 2016-10-24, 12:53:37 | رسالة # 1 |
 عضو نشيط
مجموعة: المدراء
رسائل: 49
حالة: Offline
| تفضيله بالمحبة و الخلة
جاءت بذلك الأثار الصحيحة ، و اختص على ألسنة المسلمين بحبيب الله ، أخبرنا أبو القاسم بن إبراهيم الخطيب و غيره ، عن كريمة بنت أحمد ، حدثنا أبو الهيثم ، و حدثنا حسين بن محمد الحافظ سماعاً عليه ، حدثنا القاضي أبو الوليد ، حدثنا عبد بن أحمد ، حدثنا أبو الهيثم ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبد بن محمد ، حدثنا أبو عامر ، حدثنا فليح ، حدثنا أبو النضر ، عن بسر بن سعيد ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه و سلم ـ أنه قال : لو كنت متخذا خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر . و في حديث آخر و إن صاحبكم خليل الله . و من طريق عبد الله بن مسعود : و قد اتخذ الله صاحبكم خليلاً . و عن ابن عباس ، قال : جلس ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ينتظرونه ، قال : فخرج و عن ابن عباس ، قال : جلس ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ينتظرونه ، قال : فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون ، فسمع حديثهم ، فقال بعضهم : عجباً ! إن الله اتخذ من خلقه خليلاً ، اتخذ إبراهيم خليلاً . و قال آخر : ماذا بأعجب من كلام موسى ، كلمه الل ه تكليماً . و قال آخر : فعيسى كلمه الله و روحه . و قال آخر : و آدم اصطفاه الله . فخرج عليهم فسلم ، و قال : قد سمعت كلامكم و عجبكم ، أن الله تعالى اتخذ إبراهيم خليلاً ، و هو كذلك ، و موسى نجي الله و هو كذلك ، و موسى نجي الله ، و هو كذلك ، و عيسى روح الله ، و هو كذلك ، و آدم اصطفاه الله ، و هو كذلك ، ألا و أنا حبيب الله و لا فخر ، و أنا أول شافع و أول مشفع و لا فخر ، و أما من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها و معي فقراء المؤمنين و لا فخر ، و أنا أكرم الأولين و الآخرين ولا فخر . و في حديث أبي هريرة رضي الله عنه من قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه و سلم : إني اتخذتك خليلاً ، فهو مكتوب في التوراة : أنت حبيب الرحمن . قال القاضي أبو الفضل : اختلف في تفسير الخلة ، و اصل اشتقاقها ، فقيل : الخليل : المنقطع إلى الله الذي ليس في انقطاعه إليه و محبته له اختلال . و قيل : الخليل المختص ، و اختار هذا القول غير واحد . و قال بعضهم : أصل الخلة الاستصفاء : و سمي إبراهيم [ 71 ] خليل الله ، لأنه يوالي فيه و يعادي فيه ، و خلة الله له نصره ، و جعله إماماً لمن بعده . و قيل : ال خليل : أصله الفقير المحتاج المنقطع ، مأخوذ من الخلة و هي الحاجة ، فسمي بها إبراهيم ، لأنه قصر حاجته على ربه ، و انقطع إليه بهمه ، و لم يجعله قبل غيره ، و إذا جاءه جبريل و هو في المنجنيق ، ليرمى به في النار ، فقال : ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا . و قال أبو بكر بن فورك : الخلة : صفاء المودة التي توجب الاختصاص بتخلل الأسرار . و قال بعضهم : أصل الخلة المحبة ، و معناها الإسعاف ، و الإلطاف ، و الترفيع ، و التشفيع ، و قد بين ذلك في كتابه تعالى بقوله : وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير [ سورة المائدة / 5 ، الآية : 18 ] . فأو جب للمحبوب ألا يؤاخذ بذنوبه . قال : هذا ، و الخلة أقوى من النبوة ، لأن النبوة قد تكون فيها العداوة ، كما قال تعالى : إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم [ سورة التغابن /64 ، الآية : 14] . و لا يصح أن تكون عداوة مع خلة ، فإذاً تسمية إبراهيم و محمد عليهما السلام بالخلة إما بانقطاعهما إلى الله و وقف حوائجهما عليه ، و الانقطاع عمن دونه ، و الإضراب عن الوسائط و الأسباب ، أو لزيادة الإختصاص منه تعالى لهما ، و خفي ألطافه عندهما ، و ما خالل بواطنهما من أسرار إلهيته ، و مكنون غيوبه و معرفته ، أو لاستصفائه لهما ، و استصفاء قلوبهما عمن سواه ، حتى لم يخاللهما حب لغيره ، و لهذا قال بعضهم : الخليل من لايتسع قلبه لسواه و هو عندهم معنى قوله صلى الله عليه و سلم : و لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا ، لكن أخوة الإسلام . و اختلف العلماء و أرباب القلوب : أيهما أرفع درجة : الخلة أو درجة المحبة ؟ فجعلهما بعضهم سواء فلا يكون الحبيب إلا خليلا ، و لا الخليل إلا حبيباً لكنه خص إبراهيم بالخلة ، و محمداً بالمحبة . و بعضهم قال : درجة الخلة أرفع ، و احتج بقوله صلى الله عليه و سلم : لو كنت متخذاً خليلاً غير ربي عز و جل فلم يتخذه . و قد أطلق المحبة لفاطمة ، و ابنيها ، و أسامة و غيرهم . و أكثرهم جعل المحبة أرفع من الخلة ، لأن درجة الحبيب نبينا أرفع من درجة الخليل إبراهيم . و أصل المحبة الميل إلى ما يوافق المحب ، و لكن هذا في حق من يصح الميل منه و الإنتف اع بالوفق ، و هي درجة المخلوق ، فأما الخالق ـ جل جلاله ـ فمنزه عن الأغراض ، فمحبته لعبده تمكينه من سعادته ، و عصمته و توفيقه و تهيئة أسباب القرب ، و إفاضة رحمته عليه ، و قصواها كشف الحجب عن قلبه حتى يراه بقلبه ، و ينظر إليه ببصيرته ، فيكون كما قال في الحديث : فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، و بصره الذي يبصر به ، و لسانه الذي ينطق به . و لا ينبغي أن يفهم من هذا سوى التجرد لله ، و الإنقطاع إلى الله ، و الإعراض عن غير الله ، و صفاء القلب لله ، و إخلاص الحركات لله ، كما قالت عائشة رضي الله عنه : كان خلقه القرآن ، برضاه يرضى ، و بسخطه يسخط ، و من هذا عبر بعضهم عن الخلة بقوله : قد تخللت مسلك الروح مني و بذا سمي الخليل خليلا فإذا ما نطقت كنت حديثي و إذا ما سكت كنت الغيلا فإذا [ 72 ] مزية الخلة و خصوصية المحبة حاصلة لنبينا صلى الله عليه و سلم بما دلت عليه الآثار الصحيحة المنتشرة ، المتلقاة بالقبول من الأمة ، و كفى بقوله تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم . حكى أهل التفسير أن هذه الآية لما نزلت قا ل الكفار : إنما يريد محمد أن نتخذه حناناً كما اتخذت النصارى عيسى بن مريم ، فأنزل الله ـ غيظاً لهم و رغماً على مقالتهم هذه الآية : قل أطيعوا الله والرسول ، فزاده شرفاً بأمرهم بطاعته ، و قرنها بطاعته ، ثم توعدهم على التولي عنه بقوله : فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين . و قد نقل الإمام أبو بكر بن فورك عن بعض المتكلمين كلاماً في الفرق بين المحبة و الخلة يطول ، جملة اشارته إلى تفضيل مقام المحبة على الخلة ، و نحن نذكر منه طرفاً يهدي إلى ما بعده . فمن ذلك قولهم : الخليل يصل بالواسطة ، من قوله تعالى : وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين [ سورة الأنعام / 6 ، الآية : 75 ] . و الحبيب يصل لحبيبه به ، من قوله : فكان قاب قوسين أو أدنى . و قيل : الخليل : الذي تكون مغفرته في حد الطمع ، من قوله : والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين [ سورة الشعراء / 26 ، الآية : 82 ] . و الحبيب الذي مغفرته في حد اليقين ، من قوله : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما [ سورة الفتح / 48 ، الآية : 2 ] . و الخليل قال : ولا تخزني يوم يبعثون [ سورة الشعراء / 26 ، الآية : 87 ] . و الحبيب قيل له : يوم لا يخزي الله النبي ، فابتدىء بالبشارة قبل السؤال . و الخليل قال في المحنة : حسبي الله [ سورة الزمر / 39 ، الآية : 38 ] . و الحبيب قيل له : يا أيها النبي حسبك الله [ سورة الأنفال / 8 ، الآية : 64 ] . و الخليل قال : اجعل لي لسان صدق في الآخرين [ سورة الشعراء / 26 ، الآية : 84 ] . و الحبيب قيل له : ورفعنا لك ذكرك ، أعطي بلا سؤال . و الخليل قال : واجنبني وبني أن نعبد الأصنام [ سورة إبراهيم / 14 ، الآية : 35 ] . و الحبيب قيل له : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و فيما ذكرناه تنبيه على مقصد أصحاب هذا المقال من تفضيل المقامات و الأحوال ، و كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا [ سورة الإسراء / 17 ، الآية : 84 ] .
|
|
| |