houari | التاريخ: الإثنين, 2016-10-24, 13:14:12 | رسالة # 1 |
 عضو نشيط
مجموعة: المدراء
رسائل: 49
حالة: Offline
| في أن الله قادر على خلق المعرفة في قلوب عباده
اعلم أن الله جل اسمه قادر على خلق المعرفة في قلوب عباده ، و العلم بذاته و أسمائه و صفاته و جميع تكليفاته ابتداء دون واسطة لو شاء ، كما حكي عن سنته في بعض الأنبياء ، و ذكره بعض أهل التفسير في قوله : وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا [ سورة الشورى / 42 ، الآية : 51 ] . و جائز أن يوصل إليهم جميع ذلك بواسطة تبلغهم كلامه ، و تكون تلك الواسطة ، إما من غير البشر ، كالملائكة مع الأنبياء أو من جنسهم ، كالأنبياء مع الأمم ، و لا مانع لهذا من دليل العقل . و إذا جاز هذا و لم يستحل ، و جاءت الرسل بما دل على صدقهم من معجزاته وجب تصديقهم في جميع ما أتوا به ، لأن المعجزة مع التحدي من النبي صلى الله عليه و سلم قائم مقام قول الله : صدق عبدي فأطيعوه و اتبعوه ، و شاهد على صدقه فيما يقوله ، و هذا كاف . و التطويل فيه خارج عن العرض [ 87 ] ، فمن أراد تتبعه وجده مستوفي في مصنفات أئمتنا رحمهم الله . فالنبوة في لغة من همز مأخوذة من النبأ ، و هو الخبر ، و قد لا تهمز على هذا التأويل تسهيلاً . و المعنى أن الله تعالى أطلعه على غيبه ، و أعلمه أنه نب يه ، فيكون نبي منبأ فعيل بمعنى مفعول ، أو يكون مخبراً عما بعثه الله تعالى به ، و منبئاً بما أطلعه الله عليه فعيل بمعنى فاعل ، و يكون عند من لم يهمزه من النبوة ، و هو ما ارتفع من الأرض ، و معناه أن له رتبة شريفة ، و مكانة نبيهة عند مولاه منيفة ، فالوصفان في حقه مؤتلفان . و أما الرسول فهو المرسل ، و لم يأت فعول بمعنى مفعل في اللغة إلا نادراً . و إرساله أمر الله بالإبلاغ إلى من أرسله إليه ، و اشتقاقه من التتابع ، و منه قولهم : جاء الناس أرسالاً ، إذا اتبع بعضهم بعضاً ، فكأنه ألزم تكرير التبليغ ، أو ألزمت الأمة اتباعه . و اختلف العلماء : هل النبي و الرسول بمعنى ، أو بمعنيين ؟ فقيل : هما سواء ، و أصله من الإنباء و هو الإعلام ، و استدلوا بقوله تعالى : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ، فقد أثبت لهما معاً الإرسال ، قال : و لا يكون النبي إلا رسولاً ، و لا الرسول إلا نبياً . و قيل : هما مفترقان من وجه ، إذ قد اجتمعا في النبوة التي هي الاطلاع على الغيب و الإعلام بخواص النبوة أو الرفعة لمعرفة ذلك ، و حوز درجتها ، و افترقا في زيادة الرسالة للرسول ، و هو الأمر بالإنذار و الإعلام كما قل نا . و حجتهم من الآية نفسها التفريق بين الإسمين ، و لو كانا شيئاً واحداً لما حسن تكرارهما في الكلام البليغ ، قالوا : و المعنى : ما أرسلنا من رسول إلى أمة أو نبي ليس بمرسل إلى أحد . و قد ذهب بعضهم إلى أن الرسول من جاء بشرع مبتدإ ، و من لم يأت به نبي غير رسول ، و إن أمر بالإبلاغ و الإنذار . و الصحيح ، و الذي عليه الجماء الغفير ، أن كل رسول نبي ، و ليس كل نبي رسولاً . و أول الرسل آدم ، و آخرهم محمد صلى الله عليه و سلم . و في حديث أبي ذر رضي الله عنه : إن الأنبياء مائة ألف و أربعة و عشرون ألف نبي . و ذكر أن الرسل ، منهم ثلاثمائة و ثلاثة عشر ، أولهم آدم عليه السلام . فقد بان لك معنى النبوة و الرسالة ، و ليستا عند المحققين ذاتاً للنبي ، و لا وصف ذات ، خلافاً للكرامية ، و في تطويل لهم ، و تهويل ، ليس عليه تعويل . و أما الوحي فأصله الإسراع ، فلما كان النبي يتلقى ما يأتيه من ربه بعجل سمي وحياً ، و سميت أنواع الإلهامات وحياً ، تشبيهاً بالوحي إلى النبي ، و سمي الخط وحياً ، لسرعة حركة يد كاتبه ، و وحي الحاجب و اللحظ سرعة إشارتهما و منه قوله تعالى : فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ، أي أومأ و رمز . و قيل : كتب ، و منه قولهم : الوحا ، الوحا ، أي السرعة . و قيل أصل الوحي السر و لإخفاء ، و منه سمي الإلهام وحياً ، و منه : وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ، أي يوسوسون في صدروهم ، و منه قوله : وأوحينا إلى أم موسى ، أي ألقي في قلبها . و قد قيل ذلك في قوله تعالى : وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا [ 88 ] ، أي ما يلقيه في قلبه دون واسطة .
|
|
| |