houari | التاريخ: الثلاثاء, 2016-10-25, 08:12:18 | رسالة # 1 |
 عضو نشيط
مجموعة: المدراء
رسائل: 49
حالة: Offline
| من موجه الإعجاز : الروعة التي تلحق قلوب سامعي القرآن و منها الروعة التي تلحق قلوب سامعيه و أسماعهم عند سماعه ، و الهيبة التي تعتريهم عند تلاوته لقوة حاله ، و إنافة خطره ، و هي على المكذبين به أعظم ، حتى كانوا يستثقلون سماعه ، و يزيدهم نفوراً ، كما قال تعالى ، و يودون انقطاعه لكراهتهم له . و لهذا قال صلى الله عليه و سلم : إن القرآن صعب مستصعب على من كرهه ، و هو الحكم ، و أما المؤمن فلا تزال روعته به ، و هيبته إياه ، مع تلاوته ـ توليه انجذاباً ، و تكسبه هشاشة ، لميل قلبه إليه ، و تصديقه به ، قال تعالى : تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله [ سورة الزمر / 39 ، الآية : 23 ] . و قال : لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون [ سورة الحشر / 59 ، الآية : 21 ] . و يدل على أن هذا شيء خص به ـ أنه يعتري من لا يفهم معانيه ، و لا يعلم تفاسيره ، كما روي عن نصراني ـ أنه مر بقارئ ـ فوقف يبكي ، فقيل له : مم بكيت ؟ قال : للشجا و النظم . و هذه الروعة قد اعترت جماعةً قبل الإسلام و بعده ، ف منهم من أسلم لها لأول و هلة و آمن به ، و منهم من كفر . فحكي في الصحيح ، عن جبير بن مطعم ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ في المغرب بالطور ، فلما بلغ هذه الآية : أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون * أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون * أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون ـ كاد قلبي أن يطير للإسلام . و في رواية : و ذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي . و عن عتبية بن ربيعة أنه كلم النبي صلى الله عليه و سلم فيما جاء به من خلاف قومه ، فتلا عليهم : حم * تنزيل من الرحمن الرحيم * كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون * بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون * وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون * قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين * الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون * إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون * قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين * ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين * فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم * فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود [ سورة فصلت / 41 ، الآية : 1 ، 13 ] . فامسك عتبة بيده على في النبي صلى الله عليه و سلم ، و ناشده الرحم أن يكف . و في رواية : فجعل النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ و عتبة مصغ ملق يديه خلف ظهره ، معتمد عليهما ، حتى انتهى إلى السجدة ، فسجد النبي صلى الله عليه و سلم ، و قام عتبة لا يدري بما يراجعه ، و رجع إلى أهله ، و لم يخرج إلى قومه حتى أتوه ، فاعتذر لهم ، و قال : و الله لقد كلمني بكلام و الله ما سمعت أذناي بمثله قط فما دريت ما أقول له . و قد حكي عن غير واحد ممن رام معارضته أنه اعترته روعة و هيبة كف بها عن ذلك . فحكي أن ابن المقفع طلب ذلك و رامه ، و شرع فيه ، فمر بصبي يقرأ : وقيل يا أرض ابلعي ماءك ـ فرجع فمحا ما عمل ، و قال : أشهد أن هذا لا يعارض ، و ما هو من كلام البشر ، و كان من أفصح أهل وقته . و كان يحيى بن حكم الغزال بليغ الأندلس في زمنه ، فحكي أنه رام شيئاً من هذا فنظر في سورة الإخلاص ليحذو على مثالها ، و ينسج ـ بزعمه ـ على منوالها ـ قال : فاعترتني خشية ورقة حملتني على التوبة و الإنابة .
في وجهوه أخرى للإعجاز و من وجوه إعجازه المعدودة كونه آيةً باقيةً لا تعدم ما بقيت الدنيا مع تكفل الله بحفظه ، فقال : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون [ سورة الحجر / 15 ، الآية : 9 ] . و قال : لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد . و سائر معجزات الأنبياء انقضت بانقضاء أوقاتها ، فلم يبق إلا خبرها ، و القرآن العزيز ، الباهرة آياته ، الظاهرة معجزاته على ما كان عليه اليوم ـ مدة خمسمائة عام و خمس و ثلاثين سنةً لأول نزوله إلى و قتنا هذا ـ حجته قاهرة ، و معارضته ممتنعة ، و الأعصار كلها طافحة بأهل البيان ، و حملة علم اللسان ، و أئمة البلاغة ، و فرسان الكلام ، و جهابذة البراعة ، و الملحد فيهم كثير ، و المعادي للشرع عتيد ، فما منهم من أتى بشيء يؤثر في معارضته ، و لا ألف كلمتين في مناقضته ، و لا قدر فيه على مطعن صحيح ، و لا قدح المتكلف من ذهنه في ذلك إلا بزند شحيح ، بل المأثور عن كل من رام ذلك إلقاؤه في العجز بيديه ، و النكوص على عقبيه .
في وجوه أخرى للإعجاز و قد عد جماعةً من الأثمة و مقلدي الأمة في إعجازه وجوهاً كثيرةً ، منها أن قارئه لا يمله ، و سامعه لا يمجه ، بل الإكباب على [ 97 ] تلاوته يزيد حلاوةً ، و ترديده يوجب له محبةً ، لا يزال غضاً طرياً ، و غيره من الكلام ـ و لو بلغ في الحسن و البلاغة مبلغه ـ يمل مع الترديد ، و يعادى إذا أعيد ، و كتابنا يستلذ به في الخلوات ، و يونس بتلاوته في الأزمات ، و سواه من الكتب لا يوجد فيها ذلك ، حتى أحدث أصحابها لحوناً و طرقاً يستجلبون بتلك اللحون تنشيطهم على قراءتها . و لهذا و صف رسول الله صلى الله عليه و سلم القرآن بأنه لا يخلق على كثرة الرد ، و لا تنقضي عبره ، و لا تفنى عجائبه ، هو الفصل ليس بالهزل ، لا يشبع منه العلماء ، و لا تزيغ به الأهواء ، و لا تلتبس به الألسنة ، هو الذي لم تنته الجن حين سمعته أن قالوا : إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد [ سورة الجن / 72 ، الآية : 1 ، 2 ] . و منها جمعه لعلوم و معارف لم تعهد العرب عامةً و لا محمد صلى الله عليه و سلم قبل نبوته خاصة ، بمعرفتها ، و لا القيام بها ، و لا يحيط بها أحد من علماء الأمم ، و لا يشتمل عليها كتاب من ك تبهم ، فجمع فيه من بيان علم الشرائع ، و التنبيه على طرق الحجج العقليات ، و الرد على فرق الأمم ، ببراهين قوية ، و أدلة بينة سهلة الألفاظ ، موجزة المقاصد ، رام المتخذلقون بعد ـ أن ينصبوا أدلةً مثلها فلم يقدروا عليها كقوله تعالى : أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم [ سورة يس / 36 ، الآية : 81 ] . و : قل يحييها الذي أنشأها أول مرة [ سورة يس / 36 ، الآية : 79 ] . و : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا [ سورة الأنبياء / 21 ، الآية : 22 ] . إلى ما حواه من علوم السير ، و أنباء الأمم ، و المواعظ ، و الحكم ، و أخبار الدار الآخرة ، و محاسن الآداب و الشيم . قال الله ـ جل اسمه ـ : ما فرطنا في الكتاب من شيء [ سورة الأنعام / 6 ، الآية : 38 ] . و : ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء [ سورة النحل / 16 ، الآية : 89 ] . و : ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل [ سورة الورم / 30 ، الآية : 58 ] . و قال ـ صلى الله عليه و سلم : إن الله أنزل هذا القرآن آمراً و زاجراً ، و سنةً خاليةً ، و مثلاً مضروباً ، فيه نبؤكم ، و خبر ما كان قبلكم ، و نبأ ما ب عدكم ، و حكم ما بينكم ، لا يخلقه طول الرد ، و لا تنقضي عجائبه ، هو الحق ليس بالهزل ، من قال به صدق ، و من حكم به عدل ، و من خاصم به فلج ، و من قسم به أقسط ، و من عمل به أجر ، و من تمسك به هدي إلى صراط مستقيم ، و من طلب الهدى من غيره أضله الله ، و من حكم بغيره قصمه الله ، هو الذكر الحكيم ، و النور المبين ، و الصراط المستقيم ، و حبل الله المتين ، و الشفاء النافع ، عصمة لمن تمسك به ، و نجاة لمن اتبعه ، لا يعوج فيقوم ، و لا يزيغ فيستعتب ، و لا تنقضي عجائبه ، و لا يخلق على كثرة الرد . و نحوه عن ابن مسعود ، و قال فيه : و لا يختلف و لا يتشانا ، فيه نبأ الأولين و الآخرين . و في الحديث : قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه و سلم :إني منزل عليك توراة حديثة ، تفتح بها أعيناً عمياً ، و آذاناً صماً ، و قلوباً غلفاً ، فيها ينابيع العلم ، و فهم الحكمة ، و ربيع القلوب . و عن كعب : عليكم بالقرآن ، فإنه فهم العقول ،و نور الحكمة . و قال الله تعالى : إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون [ سورة النمل / 27 ، الآية : 76 ] . و قال : هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمت قين [ سورة آل عمران / 3 ، الآية : 138 ] . فجمع [98] فيه مع و جازة ألفاظه ، و جوامع كلمة أضعاف ما في الكتب قبله التي ألفاظها على الضعف منه مرات . و منها جمعه فيه بين الدليل و مدلوله ، و ذلك أنه احتج بنظم القرآن ، و حسن رصفه و إيجازه و بلاغته ، و أثناء هذه البلاغة أمره و نهيه ، و وعده و وعيده ، فالتالي له يفهم موضع الحجة و التكليف معاً من كلام واحد و سورة منفردة . و منها أن جعله في حيز المنظوم الذي لم يعهد ، و لم يكن في حيز المنشور ، لأن المنظوم أسهل على النفوس ، و أوعى للقلوب ، و أسمع في الآذان ، و احلى على الأفهام ، فالناس إليه أميل ، و الأهواء إليه أسرع . و منها تيسيره تعالى حفظه لمتعلميه ، و تقريبه على متحفظيه ، قال الله تعالى : ولقد يسرنا القرآن للذكر [ سورة القمر / 54 ، الآية : 17 ] . و سائر الأمم لا يحفظ كتبها الواحد منهم ، فكيف الجماء على مرور السنين عليهم . و القرآن ميسر حفظه للغلمان في أقرب مدة . و منها مشاكلة بعض أجزائه بعضاً ، و حسن ائتلاف أنواعها ، و التئام أقسامها ، و حسن التخلص من قصة إلى أخرى ، و الخروج من باب إلى غيره على اختلاف معانيه ، و انقسام السورة الواحدة إلى أمر و نهي ، و خبر واستخبار، و وعد و وعيد ، و إثبات نبوة ، و توحيد و تفريد ، و ترغيب و ترهيب ، إلى غير ذلك من فوائده ، دون خلل يتخلل فصوله . و الكلام الفصيح إذا اعتروه مثل هذا ضعفت قوته ، و لانت جزالته ، و قل رونقه ، و تقلقت ألفاظه . فتأمل أول [ص] ، و ما جمع فيها من أخبار الكفار و شقاقهم و تقريعهم بإهلاك القرون من قبلهم ، و ما ذكرمن تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه و سلم ، و تعجبهم مما أتى به ، و الخبر عن اجتماع ملئهم على الكفر و ما ظهر من الحسد في كلامهم ، و تعجيزهم و توهينهم ،و وعيدهم بخزي الدنيا و الأخرة ،و تكذيب الأمم قبلهم ،و إهلاك الله لهم ، و وعيد هؤلاء مثل مصابهم ، و تصبير النبي علىأذاهم و تسليته بكل ما تقدم ذكره ، ثم أخذ في ذكر داود و قصص الأنبياء ، كل هذا في أوجز كلام و أحسن نظام . و منه الجملة الكثيرة التي انطوت عليها الكلمات القليلة ، و هذا كله و كثير مما ذكرنا أنه ذكر في إعجاز القرآن ، إلى و جوه كثيرة ذكرها الأئمة لم نذكرها ، إذ أكثرها داخل في باب بلاغته ، فلا يجب أن يعد فناً منفرداً في إعجازه ،إلا في باب تفضيل فنون البلاغة ، و كذلك كثير مما قدمنا ذكره عنهم يع د في خواصه و فضائله ، لا إعجازه . و حقيقة الإعجاز الوجوه الأربعة التي ذكرنا ، فليعتمد عليها ، و ما بعدها من خواص القرآن و عجائبه التي لا تنقضي. و الله و لي التوفيق .
|
|
| |