المدير | التاريخ: الثلاثاء, 2016-11-15, 07:32:35 | رسالة # 1 |
 عضو ذهبي
مجموعة: المدراء
رسائل: 370
حالة: Offline
| في معنى المحبة للنبي صلى الله عليه و سلم وحقيقتها اختلف الناس في تفسير محبة الله ومحبة النبي صلى الله عليه و سلم ، وكثرت عباراتهم في ذلك ، و ليست ترجع بالحقيقة إلى اختلاف مقال ، و لكنها اختلاف أحوال : فقال سفيان : المحبة اتباع الرسول صلى الله عليه و سلم ، كأنه التفت إلى قوله تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم [ سورة آل عمران / 3 ، الآية : 31 ] . وقال بعضهم : محبة الرسول اعتقاد نصرته ، والذب عن سنته ، والانقياد لها ، و هيبة مخالفته . و قال بعضهم : المحبة : دوام الذكر للمحبوب . و قال آخر : إيثار المحبوب . و قال بعضهم : المحبة الشوق إلى المحبوب . و قال بعضهم : المحبة مواطأة القلب لمراد الرب ، يحب ما أحب ، ويكره ما كره . و قال آخر : المحبة ميل القلب إلى موافق له . و أكثر العبارت المتقدمة إشارة إلى ثمرات المحبة دون حقيقتها . و حقيقة المحبة الميل إلى ما يوافق الإنسان ، و تكون موافقته له إما لاستلذاذه بإدراكه ، كحب الصور الجميلة ، والأصوات الحسنة ، والأطعمة والأشربة اللذيذة ، وأشباهها مما كل طبع سليم مائل إليها لموافقتها له ، أو لاستلذاذه بإدراكه بحاسة عقله و قلبه معاني باطنة شريفة ، كمحبة الصالحين و العلماء و أهل المعروف ، و المأثور عنهم السير الجميلة و الأفعال الحسنة ، فإن طبع الإنسان مائل إلى الشغف بأمثال هؤلاء حتى يبلغ التعصب بقوم ، و التشيع من أمة في آخرين ما يؤدي إلى الجلاء عن الأوطان ، و هتك الحرم ، و احترام النفوس ، أو يكون حبه إياه لموافقته له من جهة إحسانه له و إنعامه عليه ، فقد جبلت النفوس على حب من أحسن إليها . فإذا تقرر هذا نظرت هذه الأسباب كلها في حقه صلى الله عليه و سلم فعلمت أنه صلى الله عليه و سلم جامع لهذه المعاني الثلاثة الموجبة للمحبة : أما جمال الصورة و الظاهر ، و كمال الأخلاق و الباطن ، فقد قررنا منها قبل فيما مر في الكتاب ما لا يحتاج إلى زيادة . و أما إحسانه و أنعامه على أمته فكذلك قد مر منه في أوصاف الله تعالى له من رأفته بهم ، و رحمته لهم ، و هدايته إياهم ، و شفقته عليهم ، و استنفاذهم به من النار ، و أنه بالمؤمنين رؤوف رحيم ، و رحمة للعالمين ، و مبشراً و نذيراً ، و داعياً إلى الله بإذنه و سراجاً منيراً ، و يتلوا عليهم آياته ، و يزكيهم ، و يعلهم الكتاب و الحكمة ، و يهديهم إل ى صراط مستقيم . فأي إحسان أجل قدراً ، و أعظم خطراً من إحسانه إلى جميع المؤمنين ؟ و أي إفضال أعم منفعة و أكثر فائدة من إنعامه على كافة المسلمين ، إذ كان ذريعتهم إلى الهداية ، و منقذهم من العماية ، و داعيهم إلى الفلاح ، و وسيلتهم إلى ربهم ، و شفيعهم و المتكلم عنهم ، و الشاهد لهم ، و الموجب لهم البقاء الدائم و النعيم السرمد . فقد استبان لك أنه صلى الله عليه و سلم مستوجب للمحبة الحقيقية شرعاً بما قدمناه من صحيح الآثار ، و عادة و جبلةً بما ذكرناه آنفاً ، لأفاضته الإحسان ، و عمومه الإجمال ، فإذا كان الإنسان يحب من منحه في دنياه مرةً أو مرتين معروفأً ، أو استنقذه من هلكة أو مضرة مدة التأذي بها قليل منقطع ـ فمن منحه ما لا يبيد من النعيم ، و وقاه ما لا يفنى من عذاب الجحيم أولى بالحب . و إذا كان يحب بالطبع ملك لحسن سيرته ، أو حاكم لما يؤثر من قوام طريقته ، أو قاص بعيد الدار لما يشاد من علمه أو كرم شيمته ـ فمن جمع هذه الخصال على غاية مراتب الكمال أحق بالحب ، و أولى بالميل . و قد قال علي رضي الله عنه في صفته صلى الله عليه و سلم : من رآه بديهةً هابه ، و من خالطه معرفةً أحبه . و ذكرنا عن بعض الصحابة أنه كان لايصرف بصره عنه محبةً فيه [ 149 ]
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه
|
|
| |