في سيرة السلف في تعظيم رواية حديث الرسول و سننه حدثنا الحسين بن محمد الحافظ ، حدثنا أبو الفضل بن خيرون ، حدثنا أبو بكر البرقاني و غيره ، حدثنا أبو الحسن الدار قطني ، حدثنا علي بن مبشر ، حدثنا أحمد ابن سنان القطان ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا المسعودي ، عن مسلم البطين ، عن عمرو بن ميمون ، قال : اختلفت إلى ابن مسعود سنةً ، فما سمعته يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ، إلا أنه حدث يوماً فجرى على لسانه : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ثم علاه كرب ، حتى رأيت العرق يتحدر عن جبهته ، ثم قال : هكذا إن شاء الله ، أو فوق ذا ، أو ما دون ذا ، أو ما هو قريب من ذا . و في رواية : فتربد وجهه . و في رواية : و قد تغرغرت عيناه ، و انتفخت أوداجه . و قال إبراهيم بن عبد الله بن قريم الأنصاري قاضي المدينة : مر مالك بن أنس على أبي حازم ، و هو يحدث ، فجازه ، و قال : إني لم أجد موضعاً أجلس فيه ، فكرهت أن آخذ حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنا قائم . و قال مالك : جاء رجل إلى ابن المسيب ، فسأله عن حديث و هو مضطجع ، فجلس و حدثه ، فقال له الرجل : و ددت [ 155 ] أنك لم تتعن ، فق ال : إني كرهت أن أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنا مضطجع . [ و روي عن محمد بن سيرين أنه قد يكون يضحك ، فإذا ذكر عنده حديث النبي صلى الله عليه و سلم خشع ] . و قال أبو مصعب : كان مالك بن أنس لا يحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا و هو على وضوء ، إجلالاً له . و حكى مالك ذلك عن جعفر بن محمد . و قال مصعب بن عبد الله : كان مالك بن أنس إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم توضأ و تهيأ ، و لبس ثيابه ، ثم يحدث . قال مصعب : فسئل عن ذلك ، فقال : إنه حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم . قال مطرف : كان إذا أتى الناس مالكاً خرجت إليهم الجارية فتقول لهم : يقول لكم الشيخ : تريدون الحديث أو المسائل ؟ فغن قالوا المسائل خرج إليهم ، و إن قالوا الحديث دخل مغتسله ، و اغتسل و تطيب ، و لبس ثياباً جدداً ، و لبس ساجه و تعمم ، و وضع على رأسه رداء ، و تلقى له منصة ، فيجرخ فيجلس عليها ، و عليه الخشوع ، و لا يزال يبخر بالعود حتى يفرغ من حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم . قال [ غيره ] : و لم يكن يجلس على تلك المنصة إلا إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم . قال ابن أب ي أويس : فقيل لمالك في ذلك ، فقال : أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و لا أحدث به إلا عن طهارة متمكناً . قال : و كان يكره أن يحدث في الطريق ، أو و هو قائم ، أو مستعجل . و قال : أحب أن أفهم حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم . [ قال ضرارة بن مرة : كانوا يكرهون أن يحدثوا بحديث على غير وضوء . و نحوه عن قتادة . و كان الأعمش إذا حدث و هو على غير وضوء تيمم . و كان قتادة لا يحدث إلا على طهارة ، ولا يقرأ حديث النبي صلى الله عليه و سلم إلا على وضوء ] . قال عبد الله بن مبارك : كنت عند مالك ، و هو يحدثنا ، فلدغته عقرب ست عشرة مرةً ، و هو يتغير لونه و يصفر و لا يقطع حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم . فلما فرغ من المجلس ، و تفرق الناس عنه قلت له : يا أبا عبد الله ، لقد رأيت اليوم منك عجباً . قال: نعم ، لدغتني عقرب ست عشرة مرة ، و أنا صابر في جميع ذلك ، و إنما صبرت إجلالاً لحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم . قال ابن مهدي : مشيت يوماً مع مالك إلى العقيق ، فسألته عن حديث ، فانتهزني و قال لي : كنت في عيني أجل من أن تسأل عن حديث رسول الله صلى الله عليه و س لم و نحن نمشي . و سأله جرير بن عبد الحميد القاضي عن حديث و هو قائم ، فأمر بحبسه ، فقيل له : إنه قاض . قال : القاضي أحق من أدب . و ذكر أن هشام بن هشام بن الغازي سأل مالكاً عن حديث و هو واقف فضرب عشرين سوطاً ، ثم أشفق عليه ، فحدثه عشرين حديثاً ، فقام هشام : وددت لو زادني سياطاً و يزيدني حديثاً . قال عبد الله بن صالح : كان ماك و الليث لا يكتبان الحديث إلا وهما طاهران . و كان قتادة يستحب ألا تقرأ أحاديث النبي صلى الله عليه و سلم [ 156 ] إلا على وضوء ، و لا يحدث إلا على طهارة . و كان الأعمش إذا أراد أن يحدث و هو على وضوء تيمم . اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه